رحيل ميمي عبد الرازق… وداعًا لمدرب الأزمات ورجل الكرة الأكاديمي
في مشهد مؤثر هزّ الوسط الرياضي المصري، غاب عن الساحة الكروية المدرب القدير ميمي عبد الرازق، الذي توفي صباح الأربعاء 16 يوليو 2025 عن عمر ناهز الرابعة والستين، إثر أزمة قلبية مفاجئة باغتته وهو لا يزال في قمة عطائه الفني. جاء الرحيل بينما كان يستعد لتولي رئاسة لجنة التخطيط في النادي المصري، في خطوة كانت تأمل بها إدارة النادي لإعادة الهيكلة والانطلاق من جديد.
كان ميمي عبد الرازق أحد أبرز الأسماء التي تركت بصمة فريدة على خارطة الكرة المصرية، سواء من خلال سنوات العطاء الطويلة على مقاعد التدريب أو من خلال خبرته الأكاديمية التي طالما مزجها بالحقل الميداني. جمع الرجل بين صفات المدرب والمربّي، وكان الملاذ الدائم في اللحظات العصيبة للعديد من الأندية، التي استعانت بخبرته لتخطي كبواتها، وعلى رأسها نادي سموحة والمصري البورسعيدي.
وُلد الراحل في الثالث عشر من يناير عام 1961 بمدينة بورسعيد، وكانت انطلاقته الكروية كلاعب في صفوف نادي بورفؤاد، لكنه سرعان ما توجه إلى عالم التدريب وهو لم يكمل بعد ربيعه الخامس والعشرين. ففي عام 1985، أصبح أحد أصغر المديرين الفنيين في تاريخ الدوري المصري عندما قاد بورفؤاد وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من عمره، في سابقة لافتة أكدت مبكرًا قدراته الاستثنائية.
امتدت مسيرته التدريبية لأكثر من أربعة عقود، وارتدى خلالها عباءة المدير الفني في أندية محلية عدة من بينها الداخلية، الزرقا، المريخ، نبروه، كفر الزيات، مياه البحيرة، نادي السويس، والرباط والأنوار. غير أن محطاته الأبرز كانت دومًا بين جدران ناديي المصري وسموحة، حيث ارتبط اسمه بهما بعمق، وتولى تدريبهما في أكثر من مناسبة، لا سيما خلال الأوقات الحرجة التي تطلبت قائدًا خبيرًا قادرًا على إدارة الأزمات بثبات.
أثبت عبد الرازق أن التدريب ليس مجرد موهبة، بل علم متكامل، فإلى جانب مشواره العملي، حصل على درجة الدكتوراه في التربية الرياضية، وشغل منصب محاضر معتمد للمدربين، ليصقل بذلك تجربته بأساس أكاديمي جعله مرجعًا في الشأن الفني والتكتيكي على حد سواء. كما نال جميع الرخص التدريبية الرسمية، وكان مشاركًا فاعلًا في المؤتمرات والدورات الدولية المختصة بتطوير الأداء التدريبي في كرة القدم.
أما على الصعيد العربي، فقد سجل حضورًا مميزًا في الملاعب السعودية من خلال تدريبه لنادي العروبة على فترتين. خلال التسعينيات، قاد الفريق نحو الصعود للدرجة الممتازة، ثم عاد إليه مطلع الألفينات في تجربة جديدة ضمن دوري المحترفين، ليثبت جدارته في أكثر من بيئة تنافسية.
في موسمه الأخير 2024 – 2025، عاد ليتولى القيادة الفنية للنادي المصري بعد استقالة الجهاز الفني السابق، واستطاع في مباراتين فقط أن يقود الفريق للفوز على البنك الأهلي وحرس الحدود، ليضمن للفريق المركز الرابع في جدول الدوري، مؤهلًا إياه للمشاركة في بطولة كأس الكونفدرالية الإفريقية. تلك النتائج السريعة والفعالة أعادت إلى الأذهان صورة المدرب الذي لا يخذل ناديه عندما يحتاجه.
تميّز عبد الرازق أيضًا بإسهامه العميق في قطاع الناشئين، لا سيما في سموحة والمصري، حيث أشرف على تطوير أجيال جديدة من اللاعبين، خرج من تحت يده العديد من الأسماء التي أصبحت لاحقًا من نجوم الكرة المصرية، بينهم عاشور الأدهم وكريم ذكري.
وقد خلف رحيله المفاجئ موجة حزن واسعة، وانهالت عبارات النعي من نجوم الكرة وإداريي الأندية ومجالس الإدارات التي تعاملت معه على مدار سنوات. كثيرون وصفوه بأنه “المدرب الأب” و”رجل المهمات الصعبة”، واعتبروه أحد أعمدة التدريب المصري الذين لم يطرقوا أبواب الشهرة من باب الصخب الإعلامي، بل بالعمل الهادئ والنتائج الميدانية والالتزام السلوكي والمهني.
برحيل ميمي عبد الرازق، تطوي الكرة المصرية صفحة من صفحاتها الأصيلة، لمدرب ظل طوال حياته يقدّم للكرة ما هو أعمق من الفوز والخسارة، حيث آمن بأن المدرب صانع أجيال قبل أن يكون صانع بطولات، وكرّس خبرته في خدمة اللعبة من ملاعب الناشئين إلى مقاعد كبار الفرق، ومن الممارسة اليومية إلى قاعات المحاضرات.
رحل الرجل، وبقيت سيرته شاهدة على مسيرة مدرب مصري خالص، لم يساوم على مبادئه، ورفض الاستعراض الإعلامي، واكتفى بأن يترك أثره في كل نادٍ دخله، وكل لاعب مرّ بين يديه.