كوثر بودراجة ويكيبيديا

برحيلها، طوت كوثر بودراجة فصلاً من فصول الحضور النسائي المؤثر في الإعلام المغربي. ورغم صغر سنها النسبي، فإن تجربتها المهنية اتّسمت بالتنوع والتجديد، متجاوزة القوالب التقليدية التي طالما وضعت النساء في أدوار نمطية داخل الوسط الإعلامي والفني.
كوثر لم تكن وجهًا عابرًا على الشاشة، بل بنت لنفسها اسمًا قائمًا على الحضور المتزن، والجرأة المدروسة، والرغبة العميقة في أن تكون صوتًا مختلفًا في مشهد يعج بالتكرار.
البدايات والانطلاقة الأولى
وُلدت كوثر بودراجة في مدينة الدار البيضاء، ووفقًا لما يتم تداوله على نطاق واسع، فإنها من مواليد عام 1985، أي أنها غادرت الحياة في سن الأربعين، بعد صراع مرير مع مرض السرطان.
ظهرت بودراجة لأول مرة على نطاق واسع عبر برنامج “جاري يا جاري” على قناة ميدي 1 تي في، وهو البرنامج الذي فتح لها الباب نحو الشهرة في المغرب، قبل أن تنتقل إلى قناة نسمة التونسية لتقدم برامج ذات طابع اجتماعي وإنساني مثل “ناس نسمة” و**”ممنوع على الرجال”**، والذي لفت الأنظار بجرأته في طرح قضايا المرأة من زاوية مغاربية، تتسم بالخصوصية الثقافية والاجتماعية.
الإعلامية المتعددة المواهب
تميزت كوثر بودراجة بأنها لم تتوقف عند التقديم التلفزيوني فحسب، بل وسّعت مجال حضورها، لتعمل أيضًا ككاتبة في مجال الموضة والثقافة، وتشارك في برامج تلفزيونية واقعية على القنوات المغاربية، كما خاضت تجربة المنافسة في برنامج “مذيع العرب” الذي بثته قناتا أبو ظبي والحياة المصرية، وتمكنت من ترك بصمة لافتة في لجنة التحكيم.
وبفضل قدرتها على التحدث بعدة لغات وإتقانها لفن الخطاب، أصبحت كوثر بودراجة من الإعلاميات القليلات في المنطقة المغاربية اللواتي جمعن بين المهنية والجرأة في آنٍ واحد، مدافعة عن المرأة والهوية دون أن تقع في فخ الإثارة أو التهويل.
الانتقال إلى التمثيل.. حضور آسر وموهبة ناضجة
لم يكن التمثيل بعيدًا عن اهتمامات بودراجة، فقد اختارت بعناية أدوارها، وظهرت في مجموعة من المسلسلات المغربية والعربية، أبرزها:
- الماضي لا يموت (2021)
- سلمات أبو البنات (2022)
- سولو دموعي
- أحلام بنات بجزأيه
- كازا ستريت
- الوعد
- أتومان (2025) الذي يعد آخر أعمالها
في كل عمل، كانت حريصة على أن تترك أثرًا إنسانيًا، لا مجرد ظهور بصري، مستندة إلى تجربة حياتية صاغتها بمرارة الطفولة وعناد النضج.
رسائل بودكاستية.. وعي داخلي متجدد
في السنوات الأخيرة، وجدت كوثر شغفًا جديدًا في عالم البودكاست، فأطلقت مشروعها الصوتي “القوس المسحور”، الذي كان بمثابة منصة شخصية للتأمل في مفاهيم الذات، الأنثى، والتوازن النفسي والروحي. لم تكن تستعرض حياتها، بل تشارك دروسها، بلغة صادقة، وعاطفة حقيقية، ما قرّبها أكثر من جمهورها.
بصمة لا تُنسى
كوثر بودراجة ليست فقط إعلامية أو ممثلة أو صانعة محتوى، بل هي نموذج لامرأة مغربية تمكّنت من تجاوز المصاعب، والتحليق خارج الحدود، سواء عبر البرامج أو الكاميرا أو الميكروفون.
رحلت كوثر، ولكن بقيت سيرتها محفورة في ذاكرة كل من تابعها، ووجد في تجربتها شيئًا من الجرأة، والإصرار، والتجدد. اختارت الحياة على طريقتها، ومضت بصمت على طريقتها أيضًا، لكن أثرها سيبقى ماثلًا في كل شاشة، وكل صوت نسائي قرر أن يكون مختلفًا.