تريندينغ

الدخان الأبيض خرج من مدخنة قصر أردوغان

جهود أردوغان أصبحت أكثر تعقيدًا عندما كشف بوتين عن تركيبة وفده المفاوض، والذي لم يدخل في قوامه أي شخصية برتبة وزير، ويترأسه مساعده فلاديمير ميدينسكي الذي قاد العملية التفاوضية قبل ثلاثة أعوام ونيف، وكانت نتيجتها قبول القيادة الأوكرانية بالشروط الروسية.

بيد أن زيلنسكي، بدلاً من الوصول إلى إسطنبول، اختار أنقرة، جاء إليها مدجّجًا بما تبقى من حوله من شخصيات عسكرية وسياسية تؤمن بأنه لا يزال رئيسًا رغم فقدانه الشرعية، وإصراره على عدم إجراء انتخابات رئاسية جديدة لمعرفته نتائجها المسبقة.

حتى أنك للوهلة الأولى، عندما تنظر إلى تركيبة الوفد الموافق له، تتصور أنه لم يبقَ في كييف أحد يقود العباد والبلاد. 

“لن أقابل إلا بوتين”، يصر زيلنسكي على موقفه داخل القصر الرئاسي في العاصمة التركية، ويرعد أنه إذا لم يحضر الرئيس الروسي نفسه إلى إسطنبول فلن نذهب للمفاوضات، معتبرا أن غياب بوتين يعني إصرارًا على استمرار الحرب، وأن عليه تحمل تبعات عقوبات جديدة من أصدقائه الثلاثة مدمني المساحيق البيضاء.

الجدل المستمر في أنقرة رافقه جدل آخر بين ممثلي وسائل الإعلام الدولية التي وصلت من كل حدب وصوب، وتجمهرت منذ الصباح في محيط قصر دولما باهتشة، ترقبا لوصول الوفد الأوكراني حتى إن البعض بدأ بالتكهّن بأنه لن يصل لأن زيلنسكي ينتظر أن يتصل به ترامب نفسه ليقنعه بضرورة القبول بجولة المفاوضات.

بدد الشك باليقين عندما خرج الدخان الأبيض من قصر الرئاسة في أنقرة، وأعلن أخيرًا زيلنسكي أن وفده التفاوضي سيصل إلى إسطنبول مساءً للمشاركة بالمفاوضات من دونه، لكنه كرر أن وفده سيذهب فقط للبحث في مسألة وقف إطلاق النار والإعداد للقمة المقبلة مع الرئيس بوتين.

إعلان زيلنسكي جاء فرجًا على ممثلي وسائل الإعلام الذين وجدوا في الخير طوق نجاة بعد يوم كامل من الانتظار تحت شمس حارقة، وغياب أي معلومات حول مستقبل المفاوضات باستثناء ما قاله رئيس الوفد الروسي بأنه مستعد للقاء الوفد الأوكراني غدًا منذ الساعة العاشرة صباحا.

عملية وصول الوفود المشاركة إلى قصر المفاوضات بدت أكثر صعوبة بسبب ازدياد عدد الصحفيين، والجميع يريد أن يوثق هذه اللحظة لعَلَّها تدخل التاريخ على أنهم كانوا شاهدين على مرحلة مفصلية من حرب مستمرة منذ ثلاثة أعوام.

سقف التوقعات تغير عند الكثيرين عندما خرج رئيس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي بعد أقل من ساعتين، وأعلن عن انتهاء اللقاء الذي وصفه بالجيد، وأن الوفد الروسي راضٍ عن نتائجه، وأنه على استعداد لمواصلتها… كما وتم الاتفاق على إجراء تبادل واسع للأسرى في الأيام المقبلة – ألف مقابل ألف.. وأن الجانب الأوكراني طلب إجراء محادثات مباشرة بين زعيمي البلدين.. وقد أخذ الوفد الروسي هذا الطلب بعين الاعتبار.. كما وتم الاتفاق أيضًا على أن يقدم كل جانب رؤيته لوقف إطلاق النار المحتمل في المستقبل وأن يبين ذلك بالتفصيل.. 

أما وزير الدفاع الأوكراني رستم عميروف، الذي ترأس وفد بلاده، اكتفى بالقول إن محور المفاوضات كان الحديث عن عقد قمة مرتقبة بين بوتين وزيلنسكي.

انتهت جولة المفاوضات التي أراد من خلالها زيلنسكي أن يظهر للعالم أنه لا يزال لاعبًا أساسيًا في حلبة الكبار، متناسيا أن ترامب حوّله إلى جثة سياسية بعد دخوله المشؤوم البيت الأبيض، وأنه لم يعد سوى بيدق صغير على طاولة استنشاق المساحيق البيضاء،

مساءً، يتفرق الصحفيون من محيط قصر دولما باهتشة، باستثناء كاهن ياباني كان طيلة اليوم يدعو لنجاح المفاوضات وانتهاء الحرب.

يبدد سكون المكان وصلوات الكاهن الياباني صوت محركات سفينة سياحية تعبر من ممر البوسفور، وأعمدة دخان أسود تخرج من مداخنها وكأنها توحي بأن السلام في الحرب الأوكرانية لا يزال بعيدا.

حسن نصر  إسطنبول 

17/05 2025

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة